الرؤية نيوز

(6) أسئلة تلخص الأزمة وجذورها.. 200 قتيل بدارفور السودانية وأصابع الاتهام تطال قوات حميدتي

0

مزدلفة عثمان

سقط نحو 200 قتيل بولاية غرب دارفور (غربي السودان على الحدود مع تشاد) في اشتباكات جديدة، بدأت متقطعة وتحولت لاحقا إلى قتال شرس، بين قوات الدعم السريع و”قوات التحالف” التي يتزعمها حاكم غرب دارفور خميس أبكر، وهو أحد الموقعين على اتفاق السلام بين الحركات المسلحة والحكومة في الخرطوم.

ولا تزال أصوات الرصاص تسمع في مناطق عديدة من الولاية، كما استخدمت الأطراف المتصارعة أسلحة ثقيلة، مما أشاع حالة من الذعر والتوتر وسط السكان الذين لزموا بيوتهم، في حين أغلقت الأسواق والمحال التجارية في عاصمة الولاية (الجنينة)، حسبما أكد شهود عيان من البلدة للجزيرة نت.

كيف اشتعل القتال؟ وما طبيعة المشكلة؟

كعادة الصراع الأزلي في إقليم دارفور، فإن النزاع الدامي يبدأ في العادة من خلاف حول ملكية الأرض أو شجار بين شخصين سرعان ما يتطور بتدخل القبيلة خاصة إذا كان المتشاجران من قبيلتين بينهما ثأر أو عداء تاريخي، وهو بالضبط ما يميز القتال المتجدد منذ نحو عامين تقريبا بين قبيلة المساليت (من أصول أفريقية) والقبائل العربية في المنطقة.

وشرارة الاشتباكات الحالية اشتعلت يوم الجمعة الماضي عندما قتل اثنان من الرعاة المنتمين للقبائل العربية على يد شخصين من المساليت، ليقود أهالي القتيلين حملة انتقامية استهدفت منطقة كرينك (80 كلم شرق الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور)، وبحسب مواطنين في البلدة فإن المليشيات القبلية التي نفذت الهجوم ساندتها قوات حكومية.

وتواصلت الهجمات السبت والأحد والاثنين، ليبلغ عدد القتلى أكثر من 200 شخص وفقا لتقارير صحفية، لكن الهجوم الأعنف على كرينك كان أول أمس عندما أغارت مجموعات من القبائل العربية على الأهالي مستخدمة أسلحة ثقيلة وسيارات رباعية الدفع ودواب ودراجات نارية، وعمد المهاجمون إلى إحراق المنازل.

كيف يبدو الوضع في المنطقة حاليا؟

يصف ناصر الزين، معتمد محلية كرينك، الوضع في البلدة بالصعب للغاية، وقال للجزيرة نت إنهم مشغولون حاليا بحصر الجثث التي بلغت 150 حتى الآن، في حين لم يتم إحصاء آخرين.

وأوضح الزين أن الأحوال الأمنية تشهد هدوءا حذرا، كاشفا عن دمار كبير لحق بالبنية التحتية، وأضاف “معظم القتلى من الأطفال والنساء وكبار السن”، ومشيرا لوصول تعزيزات أمنية للسيطرة على الموقف.

وبحسب مصادر متطابقة، فإن المليشيات القبلية أحرقت مقر المعتمدية بجانب مركز للشرطة، واستولت على أسلحة كانت في مخزن يتبع للشرطة، فضلا عن نهب وحرق السوق الرئيسي في المدينة، ونهب ممتلكات المواطنين.

يتحدث مواطنون في ولاية غرب دارفور عن تدخل قوات الدعم السريع بعتادها العسكري الثقيل لمناصرة القبائل العربية في وجه المساليت، مما اضطر قوات حاكم الولاية خميس أبكر -الذي يتزعم قوات التحالف السوداني الذي يضم عددا من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام- لمواجهتها والتصدي لها، الأمر الذي أدى لاتساع دائرة القتال.

وغرب دارفور من الولايات التي تحكم بموجب اتفاق السلام الموقع في جوبا بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، ويقود حكومتها قائد واحدة من الحركات المسلحة.

ويتزعم محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة، قوات الدعم السريع -التي يذهب مراقبون إلى وصفها بأنها ذات “سمعة سيئة”- في دارفور منذ تجنيدها للقتال في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير للتصدي للحركات التي تمردت على السلطة منذ العام 2003، وتتهم قوات “الدعامة” أو المليشيات العربية بارتكاب مجازر وإحراق قرى تقطنها القبائل المنحدرة من أصول أفريقية.

ما موقف الحكومة من تطورات الأوضاع؟

أظهر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي سخطه الشديد على ما وصلت إليه الأحوال في منطقة غرب دارفور، ووجه انتقادات حادة للأجهزة الأمنية والعسكرية في الإقليم، ودمغها بالمشاركة في أحداث العنف الدامية التي تشهدها المنطقة.

واتهم -في كلمة ألقاها في إفطار رمضاني بالخرطوم أول أمس الأحد- “الأجهزة الأمنية والعسكرية” بأنها كانت متواطئة في كل قتال قبلي بدارفور، وهدد بالكشف عن أسماء القادة العسكريين الذين يؤججون النزاعات في الإقليم، كما تحدث عن عدم قدرة بعض قوات الحركات المسلحة على الدفاع عن الأهالي، بينما تنحاز قوات أخرى لذويها في وقت تلتزم فيه حركات مسلحة بضبط النفس.

وكشف مناوي عن تدخل قوات تشادية لحماية المدنيين، ومنع نهب متاجرهم في منطقة “أديكونق” بولاية غرب دارفور، ووصف ذلك بالأمر المعيب.

وفي الخرطوم، دعا رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أمس إلى اجتماع طارئ لبحث الموقف غرب دارفور.

وكانت السلطات العسكرية بالخرطوم أرسلت تعزيزات أمنية كبيرة للولاية المنكوبة السبت الماضي، كما وصلت المنطقة المأزومة طائرة حربية حلقت بالأجواء وعادت دون التدخل في الصراع وفقا لشهود من المنطقة تحدثت إليهم الجزيرة نت.

لماذا يتكرر انفراط عقد الأمن في دارفور؟

يصف حذيفة محيي الدين، المتحدث باسم قوات التحالف السوداني التي يقودها والي غرب دارفور، الأحداث بمحلية كرينك بالمؤسفة دون أن يتردد في تسميتها بالمجزرة قائلا إنها تكررت أكثر من مرة خلال عام.

ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن السبب الأساسي في التطورات الدامية هو غياب الأمن بالولاية، وضعف الإمكانيات، خاصة بعد أن أصدرت قيادة الشرطة قرارا بتقليص القوات في الإقليم إلى أقل من 50% وسحبها للخرطوم.

وتفتقر أغلب ولايات دارفور لأبسط المقومات لحماية المدنيين، خاصة بعد خروج قوات “يوناميد” وتأخير تكوين القوة المشتركة لحماية المدنيين المتفق عليها في اتفاق جوبا للسلام.

ويلفت محيي الدين إلى أن انتشار السلاح في الإقليم يمثل العامل الأكبر في “الحريق” الذي يحدث نتيجة لأي نزاع، كما أن غياب هيبة الدولة يلعب دورا محوريا في ازدياد أعداد الضحايا وتكرار النزاع من وقت لآخر.

ويضيف “كل الحلول يكون طابعها مؤقتا وغير فعالة، ونرى أن تقوم الحكومة المركزية وحكومة الولاية بوضع حلول جذرية توقف التلاعب بأرواح المواطنين”، كما يشدد على أن المدخل الأساسي لمعالجة جذور الأزمة يكون باستبدال القوات النظامية في الولايات بعناصر ليس لديها ارتباط بالقبائل المشتركة لأي ولاية خاصة أن وقائع الأحداث أثبتت انحياز القوات النظامية لقبائلها مما يساهم في تعميق الأزمة واتساع رقعتها.

مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان المتمردة في دارفور
مناوي اتهم أجهزة أمنية وعسكرية بالاشتراك في القتال بولاية غرب دارفور (الجزيرة)
كيف تفاعل المجتمع الدولي مع الأحداث الدامية؟
بادر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس، أول أمس، لإدانة “عمليات القتل الشنيعة” للمدنيين والهجمات على المرافق الصحية في منطقة غرب دارفور، مطالبا بوقف العنف وإجراء تحقيق شفاف تُنشرُ نتائجهُ علنا.

وقال في بيان صحفي إن الأمم المتحدة تُذكِرُ السلطات والمجموعات المسلحة بالتزاماتها القانونية الدولية المتعلقة بحماية جميع المدنيين ومنشآت البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المرافق الصحية والمدارس وأنظمة المياه.

وأحيط بيرتس علما بالإجراءات التي اتخذتها القوات المسلحة السودانية بهذا الخصوص، والتي تضمنت التزاما بإجلاء المدنيين الجرحى، ودعا -وفقا للبيان- للإسراع بنشر قوات حفظ الأمن المشتركة، وفقا لمتطلبات اتفاق جوبا للسلام.

بدورها، دانت السفارة الأميركية بالخرطوم “بشدة” العنف المرتكب ضد المدنيين وتشريد الآلاف في كرينك غرب دارفور، وحثت في بيان الاثنين الجناة على الكف فورا عن الانتهاكات، ودعت للنشر الفوري لقوة حفظ السلام في دارفور، وتنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاقية جوبا للسلام، وتطوير مبادرات لتعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات.

المصدر : الجزيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!