الخرطوم: الرؤية نيوز
إنطلقت بالأمس الجلسة (التقنية) لحوار الآلية الثلاثية بفندق السلام روتانا بالخرطوم ، وكنت وقتها أناقش بعض الشباب أمام سفارة دولة أجنبية بالخرطوم يمنون أنفسهم بالهرب من البلاد وبالطبع ليس ذلك حلا ..!، سألتهم عن الحوار والمخرج من الأزمة السودانية قالوها بدون مقدمات (العسكر إلي الثكنات وليس كرسي الحكم ..!) ، قلت لهم هم شركاءكم ..! قالوا توافقنا معهم فخدعونا وانقلبوا علينا ، فقلت لهم خروج العسكر من المشهد هكذا ليس سهلا دون إنتخابات ..! ، تعلموا الحكمة من المثل السوداني (لصيق الطين في الكرعين ما بيبقي نعلين ..!) .
قطعا لم أتفاجأ برفض هؤلاء الشباب للعسكريين وردود أفعالهم التي جعلتهم ينكرون عليهم حتي تضحياتهم بأنفسهم لأجل الوطن ، هؤلاء الشباب يرون في البرهان ورفاقه ما هم إلا خونة وقتلة مصيرهم المشنقة أو الزنزانة ، ولعلها بذاتها المماحكات التي أغضبت البرهان لدي إفتتاحه أسواق المؤسسة العسكرية الإقتصادية للمواطنين في أم درمان قائلا (تقطعوا المياه تقطعوا الكهرباء .. حتي لو قطعتوا رقابنا ، لن يثنينا نحن في الجيش عن هدفنا حماية البلاد والحفاظ عليها لآخر نفس ..!) بلا شك كان ذلك حديثا مهما وخطيرا وبالطبع رسالة مهمة لها تبعاتها ..!.
علي كل إنطلقت بالأمس الجلسة الفنية لحوار الآلية الثلاثية وهذا هو المهم ..! وبالطبع لم يكن متوقعا أن تكون المشاركة فيه شاملة لأسباب موضوعية نحن نعلمها ، ولكن مادام الحوار إنطلق وهي عملية عصف ذهني لتقريب وجهات النظر للوصول إلى إتفاق أو حل لمشكلة ما ، فإن قضايا الوطن تعلو علي كافة القضايا والخلافات البينية ..!.
إنطلق الحوار وأصبح المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية في المعارضة وسبق أن طلبوها (معارضة مساندة) لأجل الوطن ، ولكن أن يتم إقصاءهم هكذا وبعض المشاركين لهم خارج العملية الحوارية بصورة مقصودة وممنهجة مع سبق الإصرار والترصد حسب دعوة ورغبة (أصحاب الكرتلة) الذين ظلوا يتشدقون (إلا المؤتمر الوطني) لم يكن مقبولا ، وهذا يعني إقصاء اليمين وتلك مجموعة مهمة ولها حجمها وتأثيرها علي الساحة السياسية السودانية ولا ينكر وجودها إلا مكابر أو مرتبك أو خايف أو سنة أولي سياسة ..!.
علي النقيض رفض الحزب الشيوعي طوعا المشاركة في الحوار متمسكا باللاءات الثلاثة وتعتبر بذاتها منقصة في حقه كحزب سياسي عريق وبالطبع من حقه الجلوس في مقعد المعارضة وهو يمثل أقصي اليسار ، ولكن بلا شك رفض الشيوعي بهذا الشكل (خيارات صفرية) ومن المؤسف تبنتها لجان المقاومة وبعض مكونات الثورة .
ولكن ليس من الطبيعي رفض أحزاب الحرية والتغيير (قحت) المجلس المركزي (جماعة (4) طويلة) ومعاها حزب الأمة ترفص المشاركة في العملية الحوارية التي ترعاها الآلية الثلاثية وبدعم المجتمع الدولي وتقودها أمريكا التي إعتبرت جلسة الحوار خطوة مهمة إلى الأمام ، شاركت فيها مجموعات معتبرة لها ثقلها ومكانتها ، قال فولكر بيرتس رئيس البعثة الأممية (اليونتامس) المقصود من الحوار الإتفاق على مقومات الدستور وإختيار رئيس مجلس وزراء وترتيبات العملية الإنتخابية ..!.
وبالتالي من المتوقع أن تنجح الوساطات وسياسة العصا والجزرة الأمريكية في إنضمام آخرين للعملية الحوارية وربما بعضها قريبا جدا ولكنه ظل يبحث له عن مكتسبات لزوم تكبير الكوم وكدا ..!، علي العموم من الواضح أن لجان المقاومة وقوي الثورة الثقة إفتقدت الثقة في العسكر ، ولكن متوقع أن تحدث خلخلة أو هزة وسطهم إذا وجدوا الضمانات الكافية لخروج العسكر من المشهد بصورة آمنة وأعتقد تلك قضية مساومات تتطلب نفسها الجلوس للحوار والتفاوض وليس التخندق خلف اللاءات الثلاثة والخيارات الصفرية .
قطعا من غير المقبول أن يظل العسكر يحكمون البلاد هكذا أبد الدهر منفردين أو متحالفين أو بالشراكة مادام الجميع تواقون للديمقراطية ، ولكن في الأصل فإن الممارسة الديمقراطية بذاتها لا تكتمل دون إنتخابات تماما كما لا تكتمل دون أحزاب وقوي سياسية فاعلة ومتوافقة يفوضها الشعب لإخراج العسكر من المشهد للثكنات كما يطالب الثوار ، غير أن المؤسسة العسكرية نفسها تقع علي كاهلها حفظ أمن البلاد وسيادتها وفقا لقوانينها .
ولذلك العسكر متمسكون بالتوافق بين المكونات لضمان الإستقرار وإلا إذا تعذر كل ذلك فإن الحياة لن ولم تتوقف لأجل أحد وبالطبع لن تصبح البلاد رهينة في إنتظار الممانعين ، وبالتالي متوقع أن يمضي التوافق الحالي في هذه الحالة إلي غاياته لتكوين حكومة كفاءات وطنية يشارك فيها سياسيين لتصريف الأعباء كما ويتم من خلالها التوافق لتشكيل مؤسسات الإنتقال ووضع الطريق سالكا لإنتخابات مبكرة تحت رعاية الآلية الثلاثية نفسها يفوض من خلالها الشعب من يفوضه ولكن تذكروا جيدا أن (لصيق الطين في الكرعين ما بيبقي نعلين ..!.
الرادار .. الخميس التاسع من يونيو 2022 .
