الرؤية نيوز

“الشيطان” و”النوتيلا”.. مخدرات تعصف بالشباب في السودان

0

سجّل القائمون على مركز “بت مكلي” لعلاج الإدمان وإعادة التأهيل في ضاحية الأزهري جنوبي الخرطوم، ارتفاعا في أعداد مرتاديه من متعاطي المخدرات الراغبين في التعافي، حيث يصله يوميا بين 15 و20 شخصا يطلبون العلاج، في مؤشر على تفشٍّ خطير للمخدرات في السودان.

وتحذر مديرة المركز لبنى علي، في حديثها للجزيرة نت، من انتشار تعاطي مخدر “الآيس”، وتأثيره الكبير على صحة المتعاطين وسلوكهم. وتضيف “مقارنة بالوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعلاج، فإن عدد طالبي التعافي يبدو مخيفا لحد كبير”.

وتقول المسؤولة إن بعض الأسر تعاني من تعاطي أكثر من ابن للمخدرات، كما تؤكد أن الإدمان لا يقتصر على الذكور، بل إن فتيات في مراحل عمرية مختلفة وقعن ضحية له، مضيفة “تكاد تكون النسب متساوية بين الشباب والفتيات”.

وتؤكد لبنى أن العديد من المراكز الخاصة في الخرطوم تواجه ازديادا مضطردا في الراغبين بالعلاج من الإدمان، “حتى إن بعضها امتلأ على آخره”، وبين هؤلاء عدد كبير من متعاطي مخدرات “الآيس والترامدول والشاشمندي” وغيرها.

“الحق ولدك”

وفي الآونة الأخيرة، انتشر وسم #الحق_ولدك بوسائل التواصل الاجتماعي في السودان ضمن حملة مكثفة للتوعية بمخاطر تعاطي المخدرات لا سيما “الآيس” المعروف أيضا بـ”الشيطان”، والذي راج تناوله بكثافة وسط الشباب والطلاب، وأدى تعاطيه إلى وقوع جرائم خطيرة كان الجناة فيها تحت تأثيره.

ويروي ناشطون سودانيون عشرات القصص لمتعاطين للمخدرات بدؤوا بتناول المخدّر المعروف باسم “الآيس”. وطالب المتفاعلون مع الوسم بضرورة التبليغ عن مروجيه بعد تحوّله إلى ظاهرة خطيرة.

وبحسب خبراء، فإن “الآيس” أو “الشبو” أو “الكريستال ميت” جميعها مرادفات لنوع المخدر نفسه الذي يتم ترويجه على شكل صخور بلورية صغيرة كريستالية اللون أو مسحوق بودرة أبيض. ووفق الخبراء، يترك هذا المخدر تأثيرا إدمانيا قويا، ويتم تعاطيه بالتدخين أو بالحقن الوريدي أو بالاستنشاق بعد طحن حبيباته وتحويلها إلى بودرة، وتكفي جرعة واحدة منه لدخول عالم الإدمان.

ومع تزايد الانتقادات لتراخي الدولة عن محاصرة الانتشار الواسع للمخدرات، تبنّى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إطلاق حملة قومية للمكافحة لمدة عام، قبل أن يتهم جهات ومنظمات -لم يسمّها- بالترويح لهذه الآفات “بدعم بعض المجموعات تحت لافتة ترسيخ الديمقراطية”، في إشارة للاحتجاجات المستمرة لأكثر من عام للمطالبة بعودة الحكم المدني واستعادة المسار الديمقراطي.

رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان
أطلق عبد الفتاح البرهان حملة قومية لمكافحة المخدرات واتهم منظمات بترويجها تحت شعار دعم الديمقراطية (مواقع التواصل)

تضخيم ومطالبة بأدلة

يقول نائب رئيس هيئة محامي دارفور الصادق علي للجزيرة نت إن الإعلان عن تورط منظمات في الترويج للمخدرات وسط الشباب، وبواسطة من يتولى المنصب الأول في الدولة يتطلب منه الكشف عن هذه المنظمات، وتحويل الأدلة التي تؤيد أقواله للأجهزة القانونية ومباشرة الإجراءات الجنائية في مواجهة المنظمات المتورطة “بدلا من إطلاق اتهامات في الهواء”.

وتروج واجهات محسوبة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير أن الاحتجاجات المنتظمة التي تدعو لها لجان المقاومة ضد الحكم العسكري، يتم فيها تعاطي وتوزيع المخدرات بكثافة، وأن غالب المتظاهرين يكونون تحت تأثيرها.

وحاولت الجزيرة نت التواصل مع شرطة مكافحة المخدرات، ووزارة الداخلية السودانية، للاستفسار عن انتشار المخدرات في الاحتجاجات وتسجيل حالات بعينها، لكنها لم تتلقَ ردا.

غير أن المسؤول في لجان المقاومة بالخرطوم محمد عبد الله، أكد للجزيرة نت أن ما يشاع بهذا الخصوص فيه قدر من التضخيم، دون أن ينفي وجود ما يسميها “ظواهر سلبية” بدأت في الاتساع مؤخرا وسط المتظاهرين، وبينها تعاطي المخدرات، مشددا على إمكانية حصر الفاعلين في دائرة ضيقة دون إسقاط الأمر على كل الخارجين للاحتجاج على الحكم العسكري.

وقال عبد الله إن حديث البرهان عن منظمات تشجع تعاطي المخدرات “مطلق على عواهنه” ولا يمكن إثباته بأي حال، وإنه “محض محاولة من قائد الجيش للتقليل من أثر المظاهرات المنتظمة ضد سلطته”.

تقصير الدولة

ويتفق عميد الشرطة المتقاعد جمال شندقاوي مع حديث عبد الله بأن ما أثاره البرهان “لا يعوّل عليه”، ولا يخرج عن “الحملة التي يديرها أنصار النظام المعزول وظلت تستهدف ثورة التغيير منذ اعتصام القيادة العامة الذي جرى فضه بعنف في يونيو/حزيران 2019″، إذ بدأ وقتها الحديث عن محيط الاعتصام باعتباره وكرا للجريمة وتعاطي المخدرات لتشويه الثورة.

ومع ذلك، يقول شندقاوي الذي عمل لسنوات طويلة في مكافحة المخدرات، إن الدولة مقصرة بشكل واضح في الحد من دخولها خاصة أن حدود البلد مفتوحة بمساحات شاسعة، فضلا عن وصول حاويات ضخمة تحمل شحنات مواد مخدرة دون أن يعرف من وراءها.

ويؤكد المسؤول السابق، للجزيرة نت، تفشي مخدر “الآيس”، مخلفا أضرارا بالغة وسريعة بين آلاف الأسر، “حيث يتسبب في تدمير خلايا المخ، فيرتكب المتعاطي أي جريمة للحصول على المال، لأن الجرعة التي تؤخذ اليوم لا تكفيه غدا ولا بد من مضاعفتها”.

“تورط أجانب”

وبعد ساعات من إطلاق البرهان الحملة القومية لمكافحة المخدرات، نفذت قوات مشتركة عمليات دهم واسعة في مناطق العاصمة الخرطوم، في وقت تم فيه ضبط مصنع صغير لإنتاج حبوب “الكبتاغون” المخدرة في إقليم النيل الأزرق جنوبي البلاد، وقيل إنه كان ينتج حوالي 7200 ألف حبة في الساعة الواحدة. وتُباع الحبة الواحدة من هذا المخدر بحوالي 4 آلاف جنيه سوداني (7 دولارات تقريبا).

وقالت مصادر رسمية للجزيرة نت إن الماكينة المنتجة تم إدخالها من دولة مجاورة بتسهيل من عنصر نظامي جرى توقيفه، كما تم القبض على أجانب.

وبحسب المصادر، فإن غالبية مروجي المخدرات من جنسيات أفريقية وعربية، واستفاد بعضهم من تسهيلات الحكومة السابقة بالدخول دون تأشيرة لدواعي الحرب في تلك البلدان. كما تُسهم الحدود الغربية المفتوحة في دخول عشرات المهربين من دول، بينها نيجيريا، عبر الكاميرون وتشاد وصولا إلى دارفور، ومنها برّا للخرطوم التي تدار فيها عمليات التوزيع عن طريق مروجين وتجار كبار.

وتتحدث الصحفية المختصة في الشؤون الاجتماعية هاجر سليمان عن تفشي واستفحال المخدرات بشكل كبير بين كل الشرائح الحيوية بالمجتمع، ولا يستثنى منه حتى تلاميذ المدارس؛ حيث ينتشر بكثافة في الشريحة العمرية بين 15 و35 عاما.

وتقول هاجر للجزيرة نت إن “مافيا عالمية وربما أجهزة مخابرات خارجية” تستهدف السودان لا سيما وأن الوضع الاقتصادي في هذا البلد ليس مشجعا للربح من تجارة هذه المواد، كما أنه لم يعد دولة معبر، بل تحول لدولة مقصد لتدمير شبابه.

وتتحدث عن تفشي كل أنواع المخدرات، بينها الحشيش الأفغاني المعروف محليا بـ”النوتيلا” و”الآيس” و”الترامدول”، وبأسعار تقول إنها في متناول اليد، وكل ذلك أدى إلى تردي الوضع الأمني، خاصة وأن 90% من الجرائم المرتكبة سببها المخدرات، كما تقول.

حدود نشطة

وتستصعب الصحفية المختصة الحصول على أرقام بشأن الكميات المتداولة، لكنها تشير إلى قاعدة معروفة تقول إن المضبوط يعادل 10% من الكمية الأصلية، مما يعني أن نسبة المتسرب من المخدرات كبير جدا خاصة وأن الحدود الشرقية مع دولتي إريتريا وإثيوبيا تعد مدخلا رئيسيا لمخدري “الشاشمندي” و”الآيس”، علاوة على تركيبات “كوكايين” في بعض الأحيان.

كما تصل كميات أخرى عبر البحر الأحمر من أفغانستان ولبنان بواسطة “مافيا” تملك أذرعا متمددة داخل السودان، وتحصل نتاج هذه التجارة على مبالغ ضخمة يتم تحويلها لدولارات تُسلم للمافيا في عرض البحر وتُنقل إلى مخازن في ولاية كسلا شرقي البلاد، والتي تحتضن -كما تقول هاجر- 4 من أخطر تجار المخدرات يعملون على تسريبها للخرطوم وبقية الولايات بشكل متقطع.

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وضعت قوات شرطية أياديها على كميات ضخمة من المخدرات على الحدود بين السودان وإثيوبيا، واشتبكت مع مهربيها لكنهم لاذوا بالفرار، حسبما نقل موقع “سودان تريبيون”، الذي أفاد بأن المواجهة امتدت لست ساعات على الشريط الحدودي، وتم ضبط ألفي كيلوغرام من مخدر “الشاشمندي” معبّأة داخل 32 هاتفا محمولا في طريقها للخرطوم.

وأفاد مدير شرطة ولاية القضارف مدثر حسب الرسول بأن الشحنة تم تحميلها على 16 رأسا من الإبل، مقدرا قيمتها بحوالي 300 مليون جنيه (الدولار= 575 جنيها).

وتبدي هاجر ثقتها في أن عمليات تهريب المخدرات لا يمكن أن تتم دون تسهيلات من جهات نافذة. وتشير كذلك لضعف الدور الحكومي لعدة أسباب، بينها الاعتماد على قانون لا يعاقب التاجر ما لم تكن بحوزته مخدرات، وبالتالي يعمل التجار على تصريفها بقنوات بعيدة عن الحيازة المباشرة، وهو ما يستدعي تعديل القانون، كما تقول.

تكلفة باهظة

وتعاني عشرات الأسر من الكلفة العالية للعلاج من الإدمان، إذ توجد في الخرطوم 3 مصحات حكومية كبيرة ومجهزة، ولكن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالدخول إليها دفعت الكثيرين للهروب إلى مراكز خاصة، منها 6 على الأقل في مدن الخرطوم المختلفة، بيد أن تكلفة العلاج فيها مرتفعة.

وبحسب مديرة مركز “بت مكلي”، فإنهم يقدمون العلاج بسعر رمزي لا يتعدى 17 دولارا في اليوم، لكن بعض الأسر خسرت خلال شهر مبالغ طائلة لتغطية العلاج في أحد المراكز، التي تبلغ كلفة اليوم الواحد في بعضها نحو 100 مليون جنيه، مؤكدة أن ارتفاع قيمة العلاج، خاصة النفسي، يستوجب على الدولة إدخال فئة المدمنين تحت مظلة التأمين الصحي.

المصدر : الجزيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!