الرؤية نيوز

الفدرالية أم الكونفدرالية؟.. ما الأنسب لحكم البلاد؟

0


اسماعيل عبد الله

الفرق بين الاتحاد الفدرالي ورصيفه الكونفدرالي هو أن الأول يجمع تحت ظله عدد من الاقاليم ذات الخصوصية في التنوع الثقافي والاجتماعي، وتكون هذه الأقاليم خاضعة لحكومة واحدة منتخبة من شعوبها، مع احتفاظها بحكوماتها الأقليمية التي تمثل مستوى آخر للحكم، والولايات المتحدة الامريكية خير مثال لهذا الاتحاد الفدرالي، أما الكونفدرالية فهي اتحاد لمجموعة من الدول لأجل تحقيق اهداف ومصالح تعاونية مشتركة معيّنة ومحددة، مثل الاتحاد الاوروبي والاتحاد السوفيتي سابقاً، وفيه تحتفظ كل دولة بسيادتها الوطنية على ترابها وتتمتع بحق اعلان الحرب أو الانفصال عن الاتحاد الأب متى شاءت، هذه المقدمة المقتضبة حول التعريف المختصر عن النظامين، دعت لايرادها الاحداث المؤسفة والمتتالية للأقاليم السودانية التي لها مقومات أن تكون دول قائمة بذاتها، بل في واقع الأمر كانت هذه الأقاليم عبارة عن ممالك وسلطنات لها استقلاليتها الكاملة حتى الامس القريب، وما ازمات الحكم المصاحبة لمسيرة الدولة الوطنية منذ العهدين التركي والمهدوي الا انعكاس للازمات الحالية المستوطنة في اقاليم دارفور وجبال النوبة والانقسنا والشرق.

الحراك الشعبي المحتشد بشرق البلاد وظهور بوادر تمرد على سلطة الخرطوم بعد التغيير الذي اودى بحياة منظومة البشير، يعتبر مؤشر خطير وجرس انذار مبكر لمن اراد أن يتعظ من أولياء أمر السلطة، وقد سبق هذا التمرد المعتمد على الادوات المدنية السلمية قبل اعوام مضت، تمردات عسكرية ارهقت خزينة الدولة لمدى اكثر من نصف قرن، والحقيقة التي بدأت تتراءى للناس أن التحديات التي تواجه طرائق ادارة شئون بلادنا، ليست بتلك النظرة الطوباوية للساسة والحكام المتعاقبين على مقاعد السلطة منذ وقت ليس بالقصير، فعملية ارغام ملايين السكان على العيش داخل منظومة ادارية ضيقة الماعون متواضعة الامكانيات الذاتية، وفاقدة للرؤى والافكار المتناسبة مع طموحات واشواق وآمال هؤلاء الملايين، لهي عملية شبه مستحيلة لا سيما وأن بعد كل صباح جديد تثبت الأيام هذا الخطل وذلك الفشل الاداري المقيم، وتماشياً مع الحقوق الانسانية المدرجة بمصفوفة الميثاق العالمي لحقوق الانسان، يكون من السهل للمجموعات السكانية أن ترنو بعيونها لتحقيق رغبتها في التمتع بذاتيتها وخصوصيتها دون من ولا أذى من أي كائن كان، فانياب وحش النزعات الجهوية قد بانت ملامحها بعد زوال النظام الطاغوتي البشيري الجبّار.

لقد حدث من قبل أن احبطت مساعي الكثيرين من رواد ورائدات المشاريع السياسية الداعية للاستقلال عن الدولة الأم، وبرغم القمع الذي تعرض له دعاة هذه الاطروحات الانفصالية الا أن رؤيتهم تلك هي التي غلبت وفازت عند آخر المشوار، وهنا نأخذ رؤية الدكتور رياك مشار رئيس جبهة استقلال جنوب السودان كمثال، فحينما انشق عن الحركة الوحدوية التي كان يقودها (الوحدوي الرومانسي) قرنق، حينها سب وسخط المشحونون بالعاطفة الوطنية غير المرشدة على مشار ولعنوه، وفي الآخر تحقق حلمه بانفصال الجنوب السوداني واستقلاله، فانهزمت الفكرة العاطفية امام الرؤية الواقعية المؤلمة، وعندما أعلن يحي بولاد المنشق عن عبد الواحد عن ميلاد حركته – الحركة الوطنية لاستقلال دارفور – هوجم هجوماً ضارياً من قبل ابناء اقليمه وحورب حرباً شعواء الى أن ازيل اسم الحركة الانفصالية (الملعونة) من قنوات التفاعل الاجتماعي بالميديا السايبرية، وعلى ذات الدرب سار الدكتور صديق احمد الغالي وكوكبة مقدرة من النخبة السياسية بجنوب دارفور، عندما أعلنوا عن الهيئة العليا المطالبة بالحكم الذاتي لجنوب الأقليم، فأمثال مشار وبولاد وصديق حديثهم يعتبر كحديث (القصير) في المثل الشعبي المأثور (كلام القصير لا يسمع الا بعد صعوبة وطأ الأرض عند اشتداد حر شمس الظهيرة).

فهل يخرج لنا علماء الادارة وشئون الحكم واساطين علم القانون الدستوري بدراسة وافية كافية، تحدد بدقة متناهية النظام الأنسب لحكم البلاد بعيداً عن الهروب والاختباء خلف الدوافع الرغبوية، المرتهنة للأجندات الايدلوجية غير المنسجمة مع العظم الفقري للحمة المكونات المجتمعية السودانية؟، لقد اضاع السودانيون وقتاً غالياً ونفيساً في التمترس وراء مكبلات الانطلاق والاتفاق على منهج واقعي حول كيفية تصريف شئونهم، لا يعقل أن لا يكون هنالك دستوراً دائماً لبلد تركه مستعمره قبل ستين عاماً، ولا يمكن أن يستوعب الدماغ النظيف الخالي من شوائب التخلف السياسي، أن دولة مثل السودان شارف عمرها على قضاء السبعة عقود من السنين ما تزال تُحكم بالمهدئات والمسكنات الدستورية، من شاكلة مراسيم ووثائق انتقالية مؤقتة متكررة عملت على اضمحلال المؤسسات الحكومية، حتى آل جسد الوطن الجريح الى دخول غرفة انعاش (يونيتامس)، فهل يستطيع نجّار البعثة الأممية السيد فولكر بيرتس اصلاح باب الدخول لنظام الحكم المستدام؟، ليحسم هذا الجدل العقيم ويضع أسس قيام اتحاد السودان الكونفدرالي؟.

[email protected]

8 يوليو 2021

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!